إحدى أشهر روايات المؤلف سوغارو مياكي والتي تم اقتباسها لمانجا بنفس العنوان وحظت بترجمة متميزة من فريق العاشق.
تتحدث القصة عن كوسونوكي الذي يبيع آخر حاجياته لحاجته الماسَّة إلى النقود، هناك يخبره العامل الذي يشتري منه بمكان يشتري العمر ويعطيك مالًا في المقابل. حيث يتم تقدير ثمن عمرك حسب ما قدمت في حياتك، حسب أثرك على الناس..
وبعد أن سلك كوسونوكي طرقًا معقدةً وصولًا لهذا المكان الغريب، يدخل المتجر وهناك يقابل فتاةً غامضة تُدعى مياغي. يخبرها بأنه يريد بيع عمره، وبعد ساعتين من الانتظار تخبره بأن قيمة عمره تبلغ حوالي 300.000 ين (حوالي 3000 دولار)، أقل بكثير من قيمة العمر العادية، هنا لاحظ أنه بلا مستقبل، فيقرر بيع عمره كاملًا مبقيًا 3 شهور منه ليستمتع بالمال الذي جناه إثر بيعه عمره. في اليوم التالي، يستيقظ ليجد مياغي تطرق بابه لتراقب تصرفاته في الثلاث أشهر القادمة حسب قوانين الشركة.
تصنيفات الرواية دراما، شريحة من الحياة، نفسي، سينين، مأساة، خارق للطبيعة، رومانسي، سينين.
لا أخفي أن هذه الرواية كانت من أحزن الروايات التي مرت عليّ، ولا أعني بذلك أنها تحوي أحداثًا رخيصة لا هدف منها إلا استثارة مشاعرك، بل لها طابعها الخاص في التأثير بقارئها؛ بتطور الأحداث كانت الأمور تتجلى شيئًا فشيئًا وتكشف وجهها الحقيقي بعد أن كانت مستخفية تحت قناع.
أكثر فكرة أراها تسيطر على الرواية هي: "عش حياتك كأنك ميتٌ غدًا." وفي الواقع أراها تغير وجهة نظر قارئها تجاه كثير من الأمور. فقد أصبح كوسونوكي غير مهتم بما يراه الناس فيه أو بوجهة نظرهم عنه حينما تيقن أن حياته منتهية قريبًا.. تجسيد تام للفكرة السابق ذكرها، كأن الكاتب يخبرك أن حياتك فانية لا محالة، فما الجدوى من الاكتراث بأمور لا تقدمك ولا تؤخرك خطوة واحدة؟!
فتجعل قارئها يفكر في كثير من الأمور المتعلقة في الحياة.. فمثلًا، ما الذي سأجنيه من فعل هذا؟ هل الأمور التي أعتقد أنها تفيدني تفيدني فعلًا؟ كم تبقى من عمري أصلًا؟ عليّ المسارعة في الإقلاع عن عاداتي هذه وتبني تلك العادات!
رغم قوله هذا إلا أن النفس البشرية تنهى عن شيء وتأتي بمثله، فقد أضاع وقتًا طويلًا في صناعة طيور من ورق، وأضاع وقتًا أطول في التأمل في سقف غرفته، رغم علمه بأن وقته هذا هو آخر ما سيحيا. ربما كان المقصد أن قراءة الكتب قد لا تعود عليك بشيء طالما لم تستخدم هذه المعرفة في شيء يذكر. فإن كان الحال هكذا فاستغل هذه اللحظات بصناعة ذكريات ثمينة غالية واستمتع بها بدلًا من إيهام نفسك بأن قراءتك لهذا وذاك سيعود عليك بشيء، فتُرغِم نفسك على قراءة ما لا يشدك لقناعتك تلك.
قد يكون هذا ردًّا على دورات التنمية البشرية التافهة التي فحواها: "استغل وقتك ودع الإنتاجية تقتلك، استغل (أضع) كل ثانية من حياتك في تطوير نفسك حتى تقتلها أيها الفاشل." لطالما اعتبرتها ضربًا من الجنون، وهذه الرواية أشفت لي غليلي بالكامل بما كان الكاتب يحاول إيصاله من رسائل فيها.
وبعد كلام كوسونوكي ذا بتُّ أضع حسابًا لكل شيء أفعله أكثر من ذي قبل، فأسأل نفسي ما الذي سأجنيه بعد قراءتي لهذا ومشاهدتي لذاك؟ أصبحت أحاول إيلاء اهتمام أكبر لمن حولي. صرفت النظر عن الأعمال التافهة التي أتابعها طالما لا أستمتع بها ذاك الاستمتاع.
- إن لم يكن للمال قيمة بعد الممات فالأمر سيان مع الشهرة.
= ألا ترنو الخلود؟
- الخلود لا يعني شيئًا لي في عالم لست فيه.
- كوسونوكي.
وفي نهاية الرواية، كان بوسع كوسونوكي أن يُفنيَ وقته بالرسم ليخلد اسمه بعد موته. لكنه تخلى عن ذلك واختار أن يستمتع بوقته ليصنع ذكريات غالية قبل موته.. وفي الواقع أجده تصرفًا حكيمًا، فما كان سيجنيه من تخليد اسمه بعد الممات رغم عيشه في كآبة تامة؟
أمره هذا شبيه بتصرف كاتبة ذاع صيتها فيما مضى، كانت كتاباتها شهيرة جدًّا بسوداويتها وطابعها الكئيب. ومن هنا اكتسبت شهرة كبيرة، فأصبحت رواياتها الأكثر مبيعًا، صارت إحدى أشهر الروائيين في وقتها. بعد فترة بدأت تحاول علاج سبب كآبتها هذه. واكتشفت أنها تعاني من حساسية من منتجات الألبان، وتناولها لها يحفز على إفراز إنزيمات تتسبب في كآبتها المستمرة هذه، وهي التي كانت كل وجبات فطورها تحوي ألبانًا. توقفت الكاتبة عن تناول الألبان وقَلَّت كتاباتها كذلك. لاحظت أن كآبتها كانت تدفعها للكتابة. بعد فترة من المحاولة، كتبت روايةً لكنها لم تلقَ ما لقته رواياتها زمن كآبتها، بل وانتُقدت كثيرًا كذلك.
في مقابلةً معها، سُئِلت عما إن كانت ترغب بإيقاف علاجاتها وإرجاع كآبتها لتكتب كتابًا كسابق عهدها، هنا أجابت بالرفض القاطع! فما قيمة ذلك كله لها إن كانت ستحيا بالمقابل حزينةً مهمومة؟
في الأخير، إن شئت روايةً ليست بالهزل تسحبك لأجوائها لتعيش مع شخصياتها حياتهم، فلا تتردد بقراءة هذه الرواية الجميلة التي ستتركك تتفكر في كل فكرة أو جدل طرحها شخصياتها. مثل ما حدث معي وهَأنا من شدة تفكيري ورجوعي لأفكارها واقتباساتها أكتب هذه المراجعة رغم مرور سنة على قراءتها.
والآن أترككم مع تراجمي لأجمل ما ترك أثرًا فيّ من هذه الرواية العظيمة.
"ربما لم أكن أحب ناروسي نفسه؛ بل كنت أحب نفسي المنعكسة في عيون شخص يؤكد لي أفكاري ويتفاعل معها. ومع مرور الوقت، تغير ناروسي، بينما أنا لم أستطع التغير. إن كان أحدنا على حق، فعلى الأرجح كان هو."
- كوسونوكي.
"إن كان باستطاعة الناس تذكر أعظم ما حظوا به من ذكريات في الماضي بوضوح، لَغدَوْا جميعًا أيأس مما هم عليه الآن، هائمين في حاضرٍ خاوٍ، يزعمون تذكرهم هذه الأمور لأنه من الأفضل التظاهر بذلك."
"لا أؤمن بكلمات كالشخصية والجبلَّة والطبيعة حقا. جميعها تتغير مع الظروف. ومع مرور الوقت، أجد أن الطريقة التي يتمايز بها الناس عن بعضهم تكون طبقا للمواقف التي يكثر احتمال وقوعهم بها. الكل عنده هذا المعتقد المتطرف حول اتساق الشخصية، لكني أظنه أكثر بهوتًا مما يميل أكثر الناس لاعتقاده."
"مَن كان الشخص الذي كنتُ آمل منه قراءة هذه الوصية على أي حال؟ الكلمات هي وسيلة لنقل المعلومات، فعلى الكلمات التي أكتبها إخبار الآخرين عن شيء خفي داخلي."
تعليقات