لايت نوفل Utsuro no Hako to Zero no Maria الفصل 67
الرابع من مايو (الإثنين) 11:02
استرجعت محادثتي الهاتفية مع ريكو أسامي.
"لا يخطرن ببالك أن تلوذي بجلدك وحدك! أتفهمين يا [ريكو أسامي]-سان؟"
كنت حينها قد تسمرت لوهلة من نيتها الخبيثة، إلا إني لملمت شتات نفسي وصدحت معترضة:
"...وكيف تخططين لأخذ الصندوق؟ أوتعرفين كيف أو ماذا؟"
"لستُ أعرف. ومع ذلك فهذا لا ينفي أني قادرة على تدميره."
وهنا شُلَّ لساني.
"أريد الهرب. وأريد محوك أيضًا لأني أبغضك. إني قادرة على فعل الأمرين في الآن ذاته. تدرين ما أقصد، صحيح؟ وكل ما أحتاج لفعل هذا ــــ" أكملت ريكو أسامي بصوتها المهيب: "ـــ هو الانتحار قبل أن يكتمل وقوع أمر الصندوق." لقد سبق لي سماع هاته الكلمات قبلًا. آاه، تذكرت. هاته كانت الكلمات ذاتها التي أرسلتها فيما مضى لكازوكي هوشينو.
"أحقًّا خطر في بالك أن بوسعكِ الاستيلاء على جسد كازوكي هوشينو؟ يؤسفني إخبارك أن هذا مستحيل! يستحيل أن تكون لكِ الغلبة على أحدهم، يستحيل أن تعثري على السعادة! فإنكِ في الأخير أنا. ريكو أسامي. فلتعرفي قدرك. يجدر بكِ الموت. مثلكِ لا يستحق عيشًا."
وعلى عادتها، تلفظت ريكو أسامي بلعنات تكاد تكون مسموعة.
"حريٌّ بكِ الموت شنقًا إلى أن تفسد أحشاؤك ويضطر الجميع إلى كتم أنفاسهم. حريٌّ بكِ الموت قفزًا من أعلى سطح ما فينزعج المارة من أشلاء عقلك المتناثرة. حريٌّ بكِ الموت قفزًا أمام القطار فينزعج الركاب من أشلائك التي تملأ المركبة... هذا ما يناسبك. ما قولك أنت؟" وجهت ريكو أسامي السؤال إليّ.
"ما نوع الموت الذي تتمناه لريكو أسامي؟" تطلب مني أن أحدد الكيفية التي سيسري بها انتحارها هي نفسها.
إني على دراية بالأمر. بمجرد موت المالكة ريكو أسامي سأختفي من الوجود.
ولذا فقد كنت محاصرًا تمامًا.
".....توقفي!"
عبَّرت عن ذعري بهذه الكلمة المجردة، الأمر الذي أمتع ريكو أسامي.
"عمَّ أتوقف؟ عن خططي لقتل نفسي؟ لمَ؟ ألم تحاول قتلي آنفًا؟"
"ك-كان هذا لـ... ـأني لم أكن أدري أني سأختفي بمجرد موتك."
"هيهاها، لا تتساخفي! أوتعتقدين أنكِ لم تختفِ بعد؟ إن هذا لمن الذكاء، بل منتهى الذكاء... هل بربكِ تعتقدين أن بإمكانك أن تصيري كازوكي هوشينو؟"
"بإمكاني! إن لم تعيقيني فيمكنني أن أصير كازوكي هوشينو! وثم أسرق سعادته!"
"أها. ومع ذلك فإن هذا الأمر لن يغير فارقًا واحدًا. فسأنتحر في الأخير."
"ألم أقل لكِ أن تتوقفي؟!"
"ولمَ عليَّ الإنصات لما تقولين؟ إني عدوك، ألستِ تعرفين؟"
"عدو؟"
"أجل، عدو. يجدر بكِ معرفة هذا بنفسك، فنفسكِ السابقة هي عدوك."
"كفي عبثًا! بإمكاني أن أصير كازوكي هوشينو إن لم تمنعيني، لمَ تفعلين هذا؟! فظيعة! إنكِ فظيعة!"
أخذت تقهقه منتشية عقب سماعها هاته الكلمات.
"ما المضحك؟!"
ردت خضم قهقهتها المتواصلة:
"’فظيعة‘ هاه! لا تفرطي في مقت نفسك يا فتاة."
هكذا كانت محادثتي مع ريكو أسامي.
"أوه، غو ـــــ"
شددت القبضة على صدري أمسك شعور الغثيان المتزايد.
مقرف. لمَ، لمَ.. لمَ عليّ الحديث مع ريكو أسامي...؟ أخبرني ريو ميازاكي أنه قد قتلها، أكان يكذب عليّ؟
"....إني سأُقتَل."
لم يكن هذا مجرد تهديد. أعرف هذا لأني أعرف ريكو أسامي معرفةً لم يدركها أحد. كرهها لنفسها يفوق كرهها لأي شيء تفوقًا كبيرًا، ويستحيل لها القبول بوقوع أمر الصندوق.
ستحطم الصندوق على الأرجح في عشية الخامس من مايو؛ حيث إنها تريد إنهاكي بجعلي أتحرق انتظارًا لآخر فرصة لي.
ولتجنب هذا فإن علينا القضاء على ريكو أسامي... لكن حتى وإن حدث وقضى عليها ريو ميازاكي، فإني سأختفي مع تدمر الصندوق.
وبعد؟ أيعني هذا أن مآلي الاختفاء مهما كافحت وبذلت من جهود؟
".....ما الذي يجدر بي ـــــــ"
إني محاصرة. ماريا أوتوناشي تتصيني، وريو ميازاكي عاجز عن التواصل بي، وتكاد ريكو أسامي أن تمحوني.
ما الذي طرأ ليصير الحال هكذا...! الاستيلاء التدريجي كان يُفترض به أن يحاصر كازوكي هوشينو في الأصل!
"ما الذي يجدر بي فعله ــــــ"
.......لحظة. ما الذي قلته للتو؟
بوكو؟
[ت.م: اعتادت – كما وُضح سابقًا – على الإشارة لنفسها بـ’بوكو‘ وهي الكلمة التي يستعملها الأولاد. أما الآن فهي تستخدم ’أتاشي‘ الضمير المخصص للفتيات.]
ألم أتوقف عن الإشارة لنفسي بهذه الطريقة مذ أخذت بالاستيلاء على هذا الجسد؟ ألم تملي عليّ غريزتي عن استعمال هذا الضمير؟
أإني أفقد إدراكي؟
إدراكي بأني ‘ريكو أسامي‘؟
لا، لالالالالالالالا! لست ’ريكو أسامي‘! لست أحدًا، إني زيف سيتبدد ويصير كازوكي هوشينو ـــــ
"تظنين أن بوسعك الإفلات من إثم خطيئتك بفعلكِ هذا، إني أستلطف وأستعذب هذا الجانب الطفولي منكِ." ما هذا الصوت؟
صوت في منتهى العذوبة مر عليّ قبلًا بدأ يتخلل جسدي.
لا، خطأ. بوسعي ــــــ الإفلات من ريكو أسامي.
وكذلك،
"آه، آاااااااااااااااااااااااااااااااااهــ"
سيلٌ من الذكريات يغزو عقلي بغتةً. ذكريات يُفترض أن تكون في غياهب النسيان مذ دخلت هذا الجسد تباغت عقلي. تفرض نفسها فرضًا على عقلي الواعي رغم أني أعجز عن معالجتها جميعًا مرةً واحدة.
رأيت أول مشهد لجأ فيه يوهي إيشيهارا للعنف ضد ريكو أسامي.
ريكو أسامي ذات الثلاثة عشر عامًا كانت تصرخ بشدة مذعورة من هذا الوحشي قاني الوجه.
آاه، نعم. هذه كانت البداية. البداية التي لجأ فيها للعنف ردًّا على غضب ريكو أسامي. ريكو أسامي ذات الثلاثة عشر ربيعًا كرهته لأنه ليس أباها الحقيقي، اعتبرته عدوًّا، وأعربت عن أفكارها السقيمة هاته. لم يقدر يوهي إيشيهارا على تحمل هذا في الأخير وأخذ ينكل بها.
ما أدى إلى حياة ملؤها العنف يوميًّا. كان هذا على الأرجح لأن الطفلة غير المرغوبة مسببة المشاكل تهدأ وتطيع إذا حضر العنف. وهكذا صار تعنيف ريكو أسامي حلًا ناجعًا مفرحًا لذاك الوحشي.
وكان هذا أمرًا مقبولًا للأم التي كان غضب ريكو أسامي يصبِّغها خجلًا. وثم صارت ريكو أسامي تحاول هدم هذه العائلة، فخرجت عن السيطرة، الأمر الذي ضايق ذاك الضارب الأشمط.
تتغير الطباع تبعًا لتغير البيئة المحيطة. بات رفض ريكو أسامي للعنف ورفضها لعائلتها يتلاشى، وكفَّ الكل – بما فيهم ريكو أسامي – عن التساؤل عن سبب تعنيفها.
كفوا عن التساؤل عن سبب تعنيفها، إلا إن هذا لم يغير من حقيقة أن فؤاد ريكو أسامي قد آضَ منهكًا.
كانت تسمع صوت فؤادها يتمزق عددًا لا يحصى. لم يكن الصوت قويًّا، بل متوسط المدى – كما لو رمى أحدهم حصوة في بركة. في البداية كانت تقول لنفسها إذا سمعت الصوت: "آه، لقد تمزق مجددًا،" لكنها لاحظت بعد فترة أن هناك شيء مهم ينقصها.
عنف هذا الرجل كان لا يرقى لأن يكون عنف وحشي حق، وقد بات شيئًا اعتياديًّا لا اهتمام قد يطرق بال أحدهم ليتدخل لإيقافه. قد يصفونه "معاملة سيئة" أو شيئًا من سبيل هذه الكلمات البسيطة. وهذا النعت البسيط قد يُحسِب المرء أنه قد فهم القصة.
ولهذا السبب لم تُعرِّف ريكو أسامي هذا السلوك على أنه عنف. أصبح العنف يغلق الفراغات في فؤادها المتفطر. ما يعني أنها قد تتقبل العنف حالما تتقبل نفسها.
ولهذا أبت الاعتراف بوجودها.
تعليقات